
محمّد بوحوش
كانَ ينْتِفُ أيّامَهُ
يومًا ، فيَومًا
ويُلقي بريشِها في سَلّةِ المهْملاتِ..
**
كانَ يقفُ لسَاعاتٍ
أمامَ بابٍ لا يُفتحُ
حتّى إذا انْفتحَ البابُ
انفَجرَتْ في حلقِهِ صرْخةٌ.
**
في قبضةِ يدهِ
شيءٌ ثمينٌ
يخافُ أن يفْلتَ منهُ،
أوْ يتبخّرَ في هبّةِ ريحٍ .
في قبضةِ يدهِ شيءٌ تافِهٌ وقليلٌ،
في قبضةِ يدهِ سَنواتُهُ الخمْسونَ.
**
في فمهِ عَطشٌ كونْيٌّ،
أرادَ أنْ يكُونَ سمَكةً
فلم يجدْ بحرًا ولا نهرًا،
وجدَ صيّادينَ،
لذلكَ تمنَّى أنْ يكونَ
حجرًا في العراءِ.
**.
النّوَافذُ مُشرعةٌ
الثّيابُ على حبْلِ الغَسيلِ،
الفطورُ جاهزٌ في المطبخِ،
الشّايُ في الكأسِ،
ضِحْكتُها في أرْجاءِ البيتِ
الرّاديُو مفْتوحٌ في الصّالةِ….
أمّا هيَ فتنامُ هادئةً في القبرِ.
**.
حينَ ضجرَ وثقلتْ مَوازينهُ حفرَ بئرًا
وألقَى بنفْسهِ فيهَا…
كانتْ بئرًا عميقةً،
بلْ كانَتْ رَسْمَا على الوَرقةِ.
**
تركَ الحنفيّةَ تقطرُ…
ومضَى على أملٍ أنْ يعودَ.
وهوَ يسير ُإلى المجْهولِ،
تذكّرَ أمْرا مُهمًّا:
دَمَهُ الذي كانَ يقطرُ من الحنَفيّةِ.
**
ثِيابٌ جَديدةٌ تبْحثُ عنْ رجُلٍ
تلبَسُهُ،
وحِذاءٌ يبْحثُ أيضَا عن قَدمينِ؛
بينمَا في الشَّارعِ رَجلٌ
يبْحثُ عن جَسدهِ في ثِيابٍ قَديمةٍ.
**.
كانَ يسْقفُ بيتَا من وهْمٍ
حتى إذا اسْتوَى البيْتُ في خَيالهِ الخصبِ،
سقَط السّقفُ على رأسهِ؛
لكنّهُ ظلَّ يتوَهّمُ بيتًا ،
ويحَاولُ سقْفَهُ.
**.
أمَامهُ قهْوةٌ،
علبةُ سَجائرَ،
مِنفَضةٌ ،
قارورة ُماءٍ معْدنيٍّ،
آهاتٌ وبقايَا ذكْرياتٍ على الطّاولةِ،
كم ْكانَ يومُهُ مُكتَظًّا
على غيرِ العَادةِ !.
**
كانَ يصْعدُ مدارجَ لا تنتَهي
يصْعدُ وينزلُ،
حينَ بلغَ المدْرجَ الأخيرَ،
سقَط ووقعَ على رأسهِ،
لم يتوَجّعْ،
وظلَّ يمدحُ سقوطهُ
في آخرِ مدْرجٍ.
**
أرادَ أن يلهوَ مع الحياةِ، حياتهِ.
فدوّرَها وكوّرَها في خيالهِ ثم ألقَى بها في القُمامةِ،
وظلَّ يحْتملُ : ماذا لوْ كانتْ حيَاتهُ منْفضةً
أوْ كَانتْ أعوادَ ثقابٍ يشْعلُهَا دُفعةً واحدةً؟،
وماذا لو ْكانتِ الحياةُ سيجارةً يدخِّنها على عَجلٍ
ويسْحقُ عقبَها بحذائهِ المتآكلِ؟.
**
أرادَ أنْ يغيّرَ من وضْعهِ وهو يجلِسُ القرفُصاءَ،
فجَلسَ إلى الحياةِ مجدّدًا وبصقَ في فمِها،
فضحِكتْ عليهِ وخاطبتهُ بإصْبعها الوسْطى،
لكنّهُ ظلَّ يلهُو معَها ، ويحْتملُ….
**
فتحَ النّافذةَ على العالمِ
فأطلَّ على الحرْبِ.
أغلقَ بَصرهُ، ونامَ
فاشْتعَلتْ في أحْلامهِ
حرْبٌ جوّانيّةٌ،
سمّاهَا حرْبَ اللاّحرْبِ.
**
كانَ يتحدّثُ إلى فراشةٍ
حتى شفَّ وصارَ كائنًا لا تُحْتمَلُ خِفّتُه،
حاولَ أن يطيرَ بجناحيْ تلكَ الفراشةِ، فتعثّرَ واحْترقَ…
عَدَلَ عن الفكرةِ ، وبدأَ يتحدّثُ إلى قطّهِ
لم يفْهمِ القطُّ لغتهُ، فصارَ يموءُ لهُ ، يتَمطّى ، يثِبُ ويقْفزُ
في أرجاءِ الغرفةِ.
لكنّه عَدَلَ أيضًا عنِ الفكْرةِ وصارَ يتحدّثُ إلى أشْباحٍ
تسْكنُ عقْلهُ.
**
كانَ لديْهِ أصْدقاءُ كثيرونَ
حاولَ أن يلْعبَ معهُم؛
فرَموْهُ بسهامٍ بيضاءَ،
لكنّ سهْمًا واحِدًا، حَادًّا أصَابهُ في الظّهرِ،
لم تُوجعهُ الضرّبةُ
غيرَ أنّهُ صاحَ: حتّى أنتَ يَا برُوتُسْ!.
أضيفت من قبل
admin
كتابة تعليق
كتابة تعليق
لا تعليقات حتى الآن