13892128_10209961001962579_8622344315705328815_n

محمّد بوحوش

240_F_29666111_zlRbcZ7tRoSyaLz9S8iadNt8uGoWkVUZ

 

 

كانَ ينْتِفُ أيّامَهُ

يومًا ، فيَومًا

ويُلقي بريشِها في سَلّةِ المهْملاتِ..

**

كانَ يقفُ لسَاعاتٍ

أمامَ بابٍ لا يُفتحُ

حتّى إذا انْفتحَ البابُ

انفَجرَتْ في حلقِهِ صرْخةٌ.

**

في قبضةِ يدهِ
شيءٌ ثمينٌ
يخافُ أن يفْلتَ منهُ،
أوْ يتبخّرَ في هبّةِ ريحٍ .
في قبضةِ يدهِ شيءٌ تافِهٌ وقليلٌ،
في قبضةِ يدهِ سَنواتُهُ الخمْسونَ.

**

في فمهِ عَطشٌ كونْيٌّ،
أرادَ أنْ يكُونَ سمَكةً
فلم يجدْ بحرًا ولا نهرًا،
وجدَ صيّادينَ،
لذلكَ تمنَّى أنْ يكونَ
حجرًا في العراءِ.

**.

النّوَافذُ مُشرعةٌ
الثّيابُ على حبْلِ الغَسيلِ،
الفطورُ جاهزٌ في المطبخِ،
الشّايُ في الكأسِ،
ضِحْكتُها في أرْجاءِ البيتِ
الرّاديُو مفْتوحٌ في الصّالةِ….
أمّا هيَ فتنامُ هادئةً في القبرِ.

**.

حينَ ضجرَ وثقلتْ مَوازينهُ حفرَ بئرًا
وألقَى بنفْسهِ فيهَا
كانتْ بئرًا عميقةً،
بلْ كانَتْ رَسْمَا على الوَرقةِ.

**

تركَ الحنفيّةَ تقطرُ…
ومضَى على أملٍ أنْ يعودَ.
وهوَ يسير ُإلى المجْهولِ،
تذكّرَ أمْرا مُهمًّا:
دَمَهُ الذي كانَ يقطرُ من الحنَفيّةِ.

**

ثِيابٌ جَديدةٌ تبْحثُ عنْ رجُلٍ 
تلبَسُهُ،
وحِذاءٌ يبْحثُ أيضَا عن قَدمينِ؛
بينمَا في الشَّارعِ رَجلٌ 
يبْحثُ عن جَسدهِ في ثِيابٍ قَديمةٍ.

**.

كانَ يسْقفُ بيتَا من وهْمٍ
حتى إذا اسْتوَى البيْتُ في خَيالهِ الخصبِ،
سقَط السّقفُ على رأسهِ؛
لكنّهُ ظلَّ يتوَهّمُ بيتًا ،
ويحَاولُ سقْفَهُ.

**.

أمَامهُ قهْوةٌ،
علبةُ سَجائرَ،
مِنفَضةٌ ،
قارورة ُماءٍ معْدنيٍّ،
آهاتٌ وبقايَا ذكْرياتٍ على الطّاولةِ،
كم ْكانَ يومُهُ مُكتَظًّا
على غيرِ العَادةِ !.

**

كانَ يصْعدُ مدارجَ لا تنتَهي
يصْعدُ وينزلُ،
حينَ بلغَ المدْرجَ الأخيرَ، 
سقَط ووقعَ على رأسهِ،
لم يتوَجّعْ،
وظلَّ يمدحُ سقوطهُ 
في آخرِ مدْرجٍ.

**

أرادَ أن يلهوَ مع الحياةِ، حياتهِ.
فدوّرَها وكوّرَها في خيالهِ ثم ألقَى بها في القُمامةِ،
وظلَّ يحْتملُ : ماذا لوْ كانتْ حيَاتهُ منْفضةً
أوْ كَانتْ أعوادَ ثقابٍ يشْعلُهَا دُفعةً واحدةً؟،
وماذا لو ْكانتِ الحياةُ سيجارةً يدخِّنها على عَجلٍ
ويسْحقُ عقبَها بحذائهِ المتآكلِ؟.

**
أرادَ أنْ يغيّرَ من وضْعهِ وهو يجلِسُ القرفُصاءَ،
فجَلسَ إلى الحياةِ مجدّدًا وبصقَ في فمِها،
فضحِكتْ عليهِ وخاطبتهُ بإصْبعها الوسْطى،
لكنّهُ ظلَّ يلهُو معَها ، ويحْتملُ….

**

فتحَ النّافذةَ على العالمِ
فأطلَّ على الحرْبِ.
أغلقَ بَصرهُ، ونامَ
فاشْتعَلتْ في أحْلامهِ
حرْبٌ جوّانيّةٌ،
سمّاهَا حرْبَ اللاّحرْبِ.

**

كانَ يتحدّثُ إلى فراشةٍ
حتى شفَّ وصارَ كائنًا لا تُحْتمَلُ خِفّتُه،
حاولَ أن يطيرَ بجناحيْ تلكَ الفراشةِ، فتعثّرَ واحْترقَ
عَدَلَ عن الفكرةِ ، وبدأَ يتحدّثُ إلى قطّهِ
لم يفْهمِ القطُّ لغتهُ، فصارَ يموءُ لهُ ، يتَمطّى ، يثِبُ ويقْفزُ
في أرجاءِ الغرفةِ.
لكنّه عَدَلَ أيضًا عنِ الفكْرةِ وصارَ يتحدّثُ إلى أشْباحٍ
تسْكنُ عقْلهُ.

**

كانَ لديْهِ أصْدقاءُ كثيرونَ
حاولَ أن يلْعبَ معهُم؛
فرَموْهُ بسهامٍ بيضاءَ،
لكنّ سهْمًا واحِدًا، حَادًّا أصَابهُ في الظّهرِ،
لم تُوجعهُ الضرّبةُ
غيرَ أنّهُ صاحَ: حتّى أنتَ يَا برُوتُسْ!.

أضيفت من قبل

admin

أنشر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *