11659393_10154543327572925_8914703165619547531_n

لي من الأسماءِ أجملُها 

فاءٌ تفِرُّ إلى منفىً، يحرسُها الظلُّ الحبيسُ ،

راءٌ تَرى بعيْنٍ تُدركُ أنّ العمى متعةٌ لبصيرٍ 

وأَلِفٌ كقامتي لا تنحني إلاّ لشرْبِ الماءِ من عذُبِ الينابيعِ. 

باطنُ الأرضِ يلهَث ُظمآنَ مثلي 

نتقاسمُ السرَّ في عُمقِ كِلَيْنا ونشرَبُ 

تاءٌ أتيهُ بها مثل نجمٍ 

لا على الأرض| يهبطُ  ولا في العلا يستريحُ !

 

 

تعليق محمّد صالح بن عمر:

 

فرات إسبر الشّاعرة السّوريّة المقيمة منذ سنوات طويلة بنيوزيلندا  هي اليوم ، بلا منازع ، من أشدّ الأصوات تمثيليّة للشّعر العربيّ المهجريّ . وهذا الحكم مبنيّ على القيمة الذّاتية لكتاباتها التي لم تنفكّ تفرضها على الصّعيدين العربيّ والعالميّ . وليس الملفّ الذي نشرتْه عنها مجلّة ” أزرق حبريّ ” البلجيكيّة في أعدادها  –  وهو من إعدادنا وبطلب من مدير المجلّة – سوى دليل على ما لشعرها من جاذبيّة لدى العِرِّيفين بهذا الفنّ  حتّى إن لم تكن لهم معرفة باللّغة العربيّة .

 في هذه القصيدة توظّف الشّاعرة على نحو باذخ مواهبها الفنّيّة في رسم صورة لنفسها بأسلوبها الشّخصيّ .وكانت نقطة الانطلاق فكرة وقّادة  هي تهجئة اسمها ” فرات ” وصياغة تعريف لكلّ حرف من أحرفه ، مع الإشارة إلى أنّ المعنى الأصليّ لهذا الاسم ينطوي على معنى حافٍّ رمزيّ إيجابيّ هو الذلالة على الحيويّة  والغزارة والرّخاء لكن يشوبه ، مع ذلك ، معنى سلبيّ من حيث إنّ  مجرى المياه عامّة  يدل على سيلان الماء في اتّجاه واحد واستحالة عودته إلى الوراء أي إلى المنابع . وهكذا يظهر ، منذ البدء، في شخصيّة الذّات الشّاعرة جانبان  متقابلان : الأول مُشرِق. وهو وعي الذّات بغناها وقيمتها الفرديّة  اللّذين يرادفان تقدير الذّات والثّقة في النّفس .ويمكن أن نضيف إليهما الإحساس بالتأصّل لكون هذا النّهر ورافده الرّئيس دجلة يرجع إليهما الفضل في  ميلاد أوّل حضارة إنسانيّة حديثة . أمّا الوجه الثّاني فداكنٌ  لاشتماله على ضرب من الضّيق الوجوديّ الباعث على القلق . وهذه الثّنائيّة تتأكّد ، في ما بعد ، تدريجيّا  عند تعداد أحرف الاسم حرفا حرفا وتوالي تعريفاتها . فيرتبط بالجانب المُشرِق عشقُ الذّاتِ الشّاعرةِ لاسمها (لي من الأسماءِ أجملُها  ) وكرامتُها (قامتي لا تنحني إلاّ لشرْبِ الماءِ من عذُبِ الينابيع ) وظمأُها اللّهيف للحياة وعمقُها الرّوحيّ (باطنُ الأرضِ يلهث ُظمآنَ مثلي نتقاسمُ السرَّ في عُمقِ كِِلَيْنا ونشرَبُ ). أمّا الجانب الدّاكن فيتّصل به الإحساس بالغربة – وهي غربة حقيقيّة لبعد الشّاعرة عن موطنها الأصليّ – (  فاءٌ تفِرُّ إلى منفىً، يحرسُها الظلُّ الحبيس ) والتّيْه المستمرّ وعدم التأقلم مع المحيط والذّات سواء في الواقع أو في الحلم  (  تاءٌ أتيهُ بها مثل نجم  لا على الأرض يهبط  ولا في العلا يستريح ) .

إنّها لمقطوعة محبوكة حبكا بخيوط الدّلالات الإيحائيّة الرّهيفة،  تُربكك صورها ويطربك إيقاعها الدّاخليّ وتغوص بك معانيها في عالم الشّاعرة الدّاخلي البعيد الغوْر .

 

 

أضيفت من قبل

admin

أنشر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *