سواءٌ أكنتَ أزرقَ البَشَرةِ أم أبيضَها أم أصفرَها أم أسودَها
وسواءٌ أكنتَ مولّداً أم كَرِيُّوليًّا أم زنجيّاً
فكلُّ امرئٍ ينظرُ إلى نفِسهِ في المرآةِ ذاتِها
ويرى نفسَهَ كريمً المحتدِ نزيهَ القلبِ والعقلِ
كان السّودُ يملؤونَ السّفنَ من محالِّ تجّارِ الرّقيقِ بإفريقيا
إلى أقاصي أراضي أمريكَا
وفي أسبرتا ألم يكن البرييكُ محلَّ شتمٍ و ثلبٍ؟
أم فقدَ بعضُ النّاسِ اليومَ ذاكرتَهم؟
في شبهِ الجزيرةِ الاضطهادُ على الأقلّياتِ مسلّطٌ
وفئاتٌ من ال”بدون” لأجلِ البقاءِ تواجهَ الخوفَ والفقرَ
وحتّى في البلدانِ المتحضّرةِ ،البلدانِ المتباهيةِ بالأنوارْ
كمِ الإنسانُ الآخرُ معذَّبٌ لعدم موافقتِهِ الأنموذجَ المختارْ
كم من قومِ أٌُبيدَ للونِ بشرتِهِ
أين الأزتاكُ والأنكا وغيرُهم من الوجوهِ الحمرِ
في عهد كان الاستخفافُ بالرّاية هو السّائدُ
ألم يكن دمُ أولئكَ أحمرَ كسائرِ دمِ البشرِ ؟
تعليق : محمّد صالج بن عمر :
يُعَدُّ موضوع التّفرقة العنصريّة الذي يطرقه الشّاعر في هذه القصيدة من أقدم موضوعات الشّعر العالميّ ، من ذلك على سبيل المثال القصائد الكثيرة التي نظَمها في فترة ما قبل الإسلام الشّاعر الفارس المغوار عنترة بن شدّاد العربيّ الأب ، الحبشيّ الأم ووصف فيها ما كان يعانيه من احتقار أبناء قبيلته – ومنهم والده نفسه- لسواد بشَرته ولمنزلة والدته المتدنّية لكونها أمَةً .
ومنذ ذلك العهد أي منذ ما لا يقلّ عن ستّة عشر قرنا وعلى الرّغم من إلغاء العبوديّة رسميّا في جميع بلدان العالم، إذ كان آخر بلد يلغيها هو البرازيل سنة 1888 ، فإنّها لم تنقرض البتّة في الواقع المحسوس إلى اليوم، لا تجاه السّود وحدهم بل إزاءَ كلّ الذين يختلفون في أيّ مكان كان عن سكّانه الأصليّين في مظهر من المظاهر .وهو ما جعل منها آفة سلوكيّة مترسّخة ، وموقفا شبه غريزيّ موغل في الدّناءة والانحطاط .ولا سِرَّ في ذلك غير كونها نابعة من الجانب العدوانيّ في النّفس البشريّة. وهو جانب يشترك فيه الإنسان مع الحيوان. وهذا ما يفسرّ انشغال الشّاعر بها في هذه القصيدة واحتجاجه الحادّ اللّهجة على وجودها.
أمّا في ما يخصّ القصيدة في حدّ ذاتها ف فلمّا كانت من اللّون الملتزم فقد عوّل فيها صاحبها أساسا على الشّحنة العاطفيّة القويّة التي يحملها الموضوع المطروق الشّديد الحساسية. وهو ما جعله يرسم في أربعة مقاطع من مجموع خمسة صورة بانوراميّةمؤلمةمتّسعة مكانا وزمانا للمعاملات اللاّنسانيّة التي عوملت بها ولا تزال في أماكن كثيرة من الكرة الأرضيّة طوائف عدّة من البشر لا ذنب لها سوى أنّها أقلّيات.
على أنّه ، مثلما هو الحال في كلّ النّصوص الأدبيّة الملتزمة، لا يكفي رفع العقيرة احتجاجا على استحكام القيم المتدنّية واستفحال الممارسات الشّرسة المؤذية التي تسمّم العلاقات بين البشر بل يتعين أن يكون للشّاعر أو الكاتب بديل إيجابيّ مّا يندّد به .وهو ما حرص صاحب هذه القصيدة على الإعلان عنه منذ البداية في المقطع الأوّل حيث أبدى تعلّقه على نحو جليّ بالفكرة الإنسانيّة الكونيّة القائلة بالمساواة التّامة بين سكّان المعمورة كلّهم دةن استثناء مهما تكن ألوان بشَراتهم وأصولهم العرقيّة .
هذه القصيدةٌ تستجيب كلّيّا لشروط اللّون الذي كتبت فيه لا سيما سهولة التّلقّي والدّفاع عن المثل الإنسانيّة العليا.
أضيفت من قبل
admin
كتابة تعليق
كتابة تعليق
لا تعليقات حتى الآن