10399196_141260582929472_4902360266811300162_n

 

أتفحّصُ الأصواتِ الفاقدةَ للنّبرات

الباكيةَ من فرطِ الحقدِ في عيونِكم الآسفة

وفي الزّوبعةِ الغبراءِ التي ستحلُّ فيها

مراكبُ الأرواحِ لتتبادلَ الإهاناتِ

على تلك المُوَارباتِ العريضةِ

حِذوَ العرباتِ الكئيبة

 

إذا نَمّتْ يدٌ صديقةٌ أفكارَكَ

ليُزهرَ القبرُ من جديدٍ

وتقطفَ رغباتِكَ

سأمتصُّ عندئذ بالإسفنجِ

وَفْقَ ما يُتيحُه الماءُ الشّديدُ الصّفاء

كلَّ أوجاعكِ المزعومةِ

لأضمِّدَ نسيمَكَ العليل  

 

من يستطيعُ أن ينقلَ هنا نقلاً أمينًا

في هذا الصّمتِ نظامًا أو معنًى

لحزنٍ جنونيٍّ

تسلِّطُهُ عليكَ بلا انقطاعٍ

حياةٌ مليئةٌ آلامًا ؟

 

فجرُ الأفقِ ينسجمُ مع سمواتنا المُتْعَبة

وها هو يبتعدُ عن الأرصفةِ المتباينةِ

أرصفةِ أرواحِنا الضّائعةِ

 في الرّيحِ المتأرجحة

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر: 

بعد  أن يفرغ القارئ المتأنّي من تدقيق النّظر في هذه القصيدة يتفطّن إلى أنّ عنوانها (أفقُ أفكارٍ مشتَّتةٍ  ) لا يشير  إلاّ  إلى مظهر واحد (وهو حالة ذهنيّة مشوشّة) من المفهوم الأساس الذي ولّد منه الشّاعر نصّه وخصّص له الحيّز الأكبر منه .وهو  ذاتٌ تصلَى عذابا لا فكاكَ منه (حزنٍ جنونيّ/ تسلِّطُهُ عليكَ بلا انقطاعٍ/حياةٌ مليئةٌ آلامًا) وتتخبّط في وضع أقلّ ما يقال فيه إنّه مأسويّ بمفهوم المأساة  عند جورج لوكاتش (Georg Luckacs ) .  وهو قطيعة تامّة مع الكون (الأصوات الفاقدة للنّبرات/الباكية من فرطِ الحقدِ- عيونِكم الآسفة/ وفي الزّوبعةِ الغبراءِ التي ستحلُّ فيها/ مراكبُ الأرواحِ- العرباتِ الكئيبة – حزنٍ جنونيّ/أرواحنا الضّائعة/ في الرّيحِ المتأرجحة)   .لكنّ ما هي هويّة الذي يتعرّض إلى الآثار الوخيمة لهذه القطيعة ؟  فقد توجّه الشّاعر مرّة بالخطاب  في صيغة الجمع (أنتم) إمّا إلى مجموعة من الأشخاص وإمّا إلى شخص بعينه في مقام تقدير أو تعظيم (عيونِكم الآسفة)وأربع مرّات في صيغة المخاطب المفرد(أنت) أي إلى شخص في مثل منزلته أودونه منزلة  أو إلى فرد تربطه به علاقة حميميّة (أفكارَكَ – أوجاعكِ – نسيمَكَ – تسلِّطُهُ عليكَ) و  في البيت الأخير استعمل صيغة المتكلّم الجمع (نحن).وهو ما قد يحمل على الاعتقاد أنّه يتحدّث في قصيدته عن الكائن البشريّ عامّة، انطلاقا من ذاته. وإذا صحّ هذا التّأويل فإنّنا نكون هنا إزاء رؤية تشاؤميّة حالكة للذات والآخر والكون معا .وهذه الرّؤية قد تفسّر إلى حدّ بعيد التّشتّت الذّهنيّ الذي يعاني منه المتحدّث عنه .وهي ، على حدّ كلام الشّاعر، حالة مرَضيّة قاتلة لا يرجى منها شفاء  ونابعة من لعنة (فجرُ الأفقِ ينسجمُ مع سمواتنا المُتْعَبة/ وها هو يبتعدُ عن الأرصفةِ المتباينةِ/أرصفةِ أرواحِنا الضّائعةِ/ في الرّيحِ المتأرجحة ).وإذا كان ذلك كذلك فإنّ صاحب هذه القصيدة يلتقي مع الفيلسوف الألمانيّ  أرتور شوبنهاور ( 1788 – 1860) في قوله  الشّهير ” لم تُجعَل الحياةُ لنكون سعداء بل لنكون عكس ذلك” .أسلوبيّا قد ألغت دقّة الأفكار ورشاقتُها في ما يبدو كلَّ حاجة إلى تصميم الصّور المُربكة  الباهرة  على حين جاء النّسيج النّغميّ محكم الحبك .

أضيفت من قبل

admin

أنشر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *